قال الشيخ تقي الدين النبهاني –رحمه الله تعالى- في الشخصية الإسلامية
الجزء 3:
الشرط
الشرط هو ما كان وصفا مكملا لمشروطه فيما اقتضاه ذلك الشروط, أو فيما
اقتضاه الحكم في ذلك المشروط. فالحول في زكاة النقد مكمل لملكية النصاب, قهو شرط في
ملكية النصاب حتى تجب فيه الزكاة, فيكون مما اقتضاه المشروط, والإحصان في رجم الزاني
المحصن مكمل لوصف الزاني, فهو شرط في الزاني حتى يجب عليه الرجم, فيكون مما اقتضاه
المشروط. والوضوء مكمل لفعل الصلاة فيما يقتضيه الحكم فيها, فهو شرط في الصلاة, وهو
مما اقتضاه الحكم في ذلك المشروط, وستر العورة شرط لفعل الصلاة فيما يقتضيه الحكم فيها,
فهو شرط في الصلاة وهو مما اقتضاه الحكم في المشروط, وهكذا سائر الشروط. وهو أي الشرط,
مغاير للمشروط؛ لأنه وصف مكمل له وليس جزءا من أجزائه, وبهذا يختلف عن الركن؛ لأن الركن
جزء من أجزاء الشيء, وليس مفصلا عنه, ولا يقال عن الركن أنه مغاير للشيء, أو مماثل
له؛ لأنه جزء من أجزائه. أما الشرط فلا بد أن يكون مغايرا للشيء, وأن يكون في نفس الوقت
مكملا له. وقد عرف الشرط بأنه ما يلزم من عدمه العدم, ولا يلزم من وجوده وجود, وهذا
بيان له من حيث أثره, وأن الشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف إذا لم توجد الصفة, ولكن
قد توجد الصفة ولا يوجد الموصوف, كذلك الشرط, فلا توجد الصلاة إذا لم توجد الطهارة,
ولكن قد توجد الطهارة ولا توجد الصلاة. والشرط ليس خاصا بالحكم التكليفي, بل قد يكون
في الحكم التكليفي, وقد يكون في الحكم الوضعي. فهناك شروط راجعة إلى خطاب التكليف,
كالطاهرة, وستر العورة, وطهارة الثوب, كل منها شرط للصلاة. وهناك شروط راجعة إلى خطاب
الوضع, كالحول في نصاب الزكاة, والإحصان في الزنا, والحرز في السرقة, فهي شروط للسبب.
وهي كلها في اعتبار أنها شروط ينطبق عليها تعريف الشرط, وكلها شروط
شرعا لورود الدليل عليها, سوى أن الأولى شروط للحكم, والثانية شروط لما وضع للحكم من
أمور يقتضيها.
ويدخل في الشروط الشرعية شروط العقود, كشروط البيع, والشركة, والوقف,
وما شاكل ذلك. إلا أن هذا الشروط ليست كشروط حكم التكليف وحكم الوضع, من حيث إنه لا
بد من دليل شرعي يدل على الشرط حتى يعتبر شرطا, بل يشترط في هذه الشروط أن لا يخالف
ما نص عليه الشرع. أي أن شروط الحم التكليفي, أو حكم الوضع, لا بد أن يدل الدليل الشرعي
عليه حتى يعتبر شرطا, بخلاف شروط العقود فإنه لا يشترط فيها أن يرد به الشرع, بل يجوز
للعاقدين أن يشترطا ما يريدان, ولكنه لا يجوز لها, أو لأي منهما, أن يشترط شروطا تخالف
ما نص عليه الشرع. فالقعود يلزم في الشروط التس تشترط فيها أن لا تخالف الشرع, ولا
يشترط فيها أن يرد بها دليل شرعي؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما بال رجال يشترطون شروطا
ليست في كتاب الله, ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط, قضاء
الله أحق, وشرط الله أوثق» أخرجه البخاري. ومعنى ليس في كتاب الله أن يكون على
خلاف ما في كتاب الله, أي ليست في حكمه, ولا على موجب قضائه؛ وذلك لأن رسول الله أذن
في اشتراط الشروط مطلقا, وبيّن أنّ ما يحالف حكم الله فهو باطل, فهو لم ينه عن اشتراط
الشروط, وإذا نفى اعتبار ما ليس في كتاب الله, فمعناه نفي اعتبار ما يخالف ما في كتاب
الله, فنص الحديث في البخاري هو: «عن عائشة رضي الله عنها قالت: جائتني بريرة فقالت:
كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام وقية, فأعينيني, فقلت: إن أحب أهلم أن أعدها لهم
ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها, فقالت لهم, فأبوا ذلك عليها, فجاءت من
عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس, فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا, إلا
أن يكون الولاء لهم. فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: خذيها, واشترطي لهم الولاء, فإنما الولاء لمن أعتق, ففعلت عائشة. ثم قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قحمد الله, وأثنى عليه, ثم قال: أما بعم ما
بال رجال..» الحديث. قهذا يدل على أن المنهي عنه هو الشرط المخالف لما في كتاب
الله ولسنة رسول الله, ولا يدل على الشرط يجب أن يكون في كتاب الله وسنة رسوله. وعليه,
فالشروط في العقد يشترط فيها أن لا يخالف الشرع, بأن لا تخالف نصا من نصوص الشرع, أو
لا تخالف حكما شرعيا له دليل شرعي. فمثلا الشرع جعل الولاء لمن أعتق, فلا يصح بيع العبد
واشتراط الولاء, فالشرط لاغ والبيع صحيح. ومثلا لا يصح أن تقول: بعتك هذا الشيء بألف
نقدا أو بألفين نسيئة. فهذا بيع واجد تضمن شرطين, يختلف المقصود فيه باختلافهما, وهذا
شرط باطل, والبيع بسببه باطل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل سلف وبيع, ولا
شرطان في بيع» أخرجه أبو داود. ومثلا إذا باع رجل لآخر سلعة, واشترط عليه أن لا
يبيعها لأحد, فالشرط لاغ, والبيع صحيح؛ لأن الشرط ينافي مقتضى العقد, وهو ملكية المبيع
والتصرف فيه, فهو مخالف لحكم شرعي. وهكذا فالشروط التي تخالف الشرع لا تعتبر مطلقا,
سواء كانت تخالف نصا شرعيا, أم تخالف حكما جاء الشرع به, سواء أكان حكما شرعيا, أم
حكما من أحكام الوضع.
ومما
يؤكد أن الشرع أباح للمسلم أن يشترط في العقود ما شاء من الشروط, إلا ما عارض ما في
كتاب الله, أو عارض حكما شرعيا, هو أنه جاء في حديث عائشة في شأن بريرة في أحدى الروايات
للبخاري, قال لعائشة رضي الله عنها: «اشتريها فأعتقيها, وليشترطوا ما شاءوا»
فهذا صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «وليشترطوا ما شاءوا» وهو أباحة
في أن يشترط الإنسان ما شاء من الشروط, ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون
عند شروطهم» أخرجه الحاكم, أي عند الشروط التي يشترطونها, فأضاف الشرط لهم. وأيضا
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر اشتراط شروط في العقود لم تذكر في كتاب الله,
فقد روى مسلم عن جابر «أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسببه, قال فلحقني
النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه, فسار لم يسر مثله, قال: بعنيه بوقية, قلت:
لا, ثم قال: بعنيه, فبعته بوقية, واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي» أخرجه مسلم, واستثناء
حملانه شرط اشترطه في اليع. عن سفينة أبي عبد الرحمن قال: «أعتقتني أم سلمة, واشترطت
علي أن أخدم النبي صلى الله عليه وسلم» أخرجه أحمد, وفي لفظ: «كنت مملوكا لأم
سلمة فقالت/ أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فقلت:
وإن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت؛ فأعتقتني واشترطت
علي» أخرجه أبو داود. وهكذا حوادث متعددة حصلت فيها شروط في العقود لم ينص عليها
الشرع, بل يشترطها كل إنسان بما يراه, وكل ما ورد أن الشرط مقيد بما لا يخالف كتاب
الله, ولا يخالف حكما من أحكام الشرع. إلا أنه يشترط في الشرط أن لا يحل حراما, ولا
يحرم حلالا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا
حرم حلالا أو أحل حراما» أخرجه الترمذي.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar